الخميس، 16 أبريل 2015

حركات إسلامية معاصرة - الفصل الدراسىالثامنة - الإفتراق فى الأمة الأسلامية


جامعة البحر الأحمر كلية الآداب والعلوم الإنسانية
قسم الدراسات الإسلامية
حركات إسلامية
الفصل الدراسي الثامن

الهدف من دراسة الفرق والحركات الإسلامية:-
تحقيق أهدافاً طيبة في خدمة الإسلام والمسلمين:
كسر حدة الخلافات التي مزقت المسلمين وفرقتهم إلى فرق وأحزاب.
جمع كلمتهم، ولفت الأنظار إلى مواقع الخلاف  بين المسلمين؛ ليبتعدوا عما وقع فيه من سبق من هذه الأمة،ومدى ما لحقهم من الخسارة بسبب التفرق. لأن معرفة الدواء النافع يتوقف على معرفة الداء.
رصد تلك الحركات والأفكار التي يقوم بها أولئك الخارجون عن الخط السوي والصراط المستقيم؛ لتعرية دورهم الخطر في تفريق وحدة الأمة الإسلامية بتعريف الناس بأمرهم.
وصل حاضر هذه الأمة بماضيها، وبيان منشأ جذور الخلافات بينهم والتي أدت إلى تفرقهم فيما مضى من الزمان للتحذير منها، وللرد على أولئك الذين يحاولون دعوة المسلمين إلى قطع صلتهم بماضيهم، والبناء من جديد كما يزعمون.

إن عدم دراسة الفرق والرد عليها وإبطال الأفكار المخالفة للحق، فيه إفساح المجال للفرق المبتدعة أن تفعل ما تريد، وأن تدعو إلى كل ما تريد من بدع وخرافات دون أن تجد من يتصدى لها بالدراسة والنقد كما هو الواقع؛ فإن كثيراً من طلاب العلم- فضلاً عن عوام المسلمين- يجهلون أفكار فرق يموج بها العالم، وهي تعمل ليلاً ونهاراً لنشر باطلهم، ولعل هذه الغفلة من المسلمين عن التوجه لكشف هذه الفرق المارقة من تخطيط أولئك المارقين الذين نجحوا في حجب الأنظار عنهم وعن مخططاتهم الإجرامية. مثل:-
 تقديس المعتزلة للعقل، وجعله هو الحكم الفاصل في كل قضية، وتقديمه على النصوص.
تأويل آيات القرآن بالهوى.
تكفير المجتمعات الإسلامية.
بغض الصحابة، وانتظار محمد بن الحسن العسكري، الغلو في محبة آل البيت...الخ.


الافتراق في الأمة الإسلامية
إعداد وتقديم:
أ. هنادي عيسى عبدالمحمود

تعريف الافتراق والفرق بينه وبين الاختلاف
الافتراق لغةً: خلاف الجماعة ونقيض الاجتماع، قال تعالى:“ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ ”[آل عمران:103]، ومنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((البيعان بالخيار ما لم يتفرقا)) رواه البخاري
والافتراق: الانقسام، والفرق: الفلْق، والفلق من الشيء إذا انفلق منه، ومنه قوله تعالى:“ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ”[الشعراء:63]، والمفارقة: المباينة، والاسم الفرقة، وتفارق القوم: فارق بعضهم بعضاً، والفرقة: الطائفة من الناس، وفي الجملة: أن الافتراق في اللغة يدور حول معاني: المفارقة، الانقطاع، التفرق، المفاصلة، الانفصال، الشذوذ،المباينة، الانقسام والتيه، والضياع، والضلال، المقاطعة، التشعب، الخروج عن الجادة وعن الأصل وعن الأكثر وعن الجماعة.

الافتراق في الاصطلاح:
يطلق على أمور منها:
 1 - التفرق في الدين والاختلاف فيه قال تعالى:“وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تفرقوا ”[آل عمران:103]، وقوله:“وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ”[آل عمران105]، وقوله:“إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ”[الأنعام:159]، ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (إنما هلك من كان قبلكم من الأمم باختلافهم في الكتاب) رواه البخاري
2 - الافتراق عن جماعة المسلمين وهم عموم أمة الإسلام في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة وهم أهل السنة ومن كان على هديهم بعد ظهور الافتراق فمن خالف سبيلهم في أمر يقتضي الخروج عن أصولهم في الاعتقاد أو الشذوذ عنهم في المناهج أو الخروج على أئمتهم أو استحلال السيف فيهم فهو مفارق، وفيه قوله عليه الصلاة والسلام: (من خرج من الطاعة وفارق الجماعة ثم مات، مات ميتة جاهلية ومن قتل تحت راية عمية يغضب للعصبة ويقاتل للعصبة فليس من أمتي ومن خرج من أمتي على أمتي يضرب برها وفاجرها لا يتحاش من مؤمنها ولا يفي بذي عهدها فليس مني). مسلم
6

ذكر عليه الصلاة والسلام أصنافاً من المعارضين الخارجين:
 1 - المفارقون للجماعة . 2 - الخارجون عن الطاعة. 3 - الخارجون عن الأمة بالسيف. 4 - المقاتلون تحت راية عمية وهو الأمر الأعمى الذي لا يستبين وجهه، ومنه قتال العصبية، والفتنة، والقوميات، والشعارات، والحزبيات ونحوها. فالضابط في الافتراق أنه يؤدي إلى الفتن، والتفرق، والقتال، والبغي، والبدع.قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: والبدعة مقرونة بالفرقة، كما أن السنة مقرونة بالجماعة.


الاختلاف في الاصطلاح:
فالتعريف في الاصطلاح لم يخرج عن المعنى اللغوي ولكنه جاء خاصاً بالمقاصد الشرعية والفقهية على الخصوص فالاختلاف يكون في الفقه، والافتراق في العقيدة، ولذا يظهر إدراك الفرق بين الاختلاف والافتراق حيث يجب أن يُعنى به أهل العلم.
   ومن هنا قد يرتب بعضهم على مسائل الاختلاف مسائل الافتراق وهذا خطأ فاحش أصله الجهل بأصول الافتراق، ومتى يكون؟ وكيف يكون؟ ومن الذي يحكم بمفارقة شخص أو جماعة ما؟


الفرق بين الافتراق والاختلاف
1 -الافتراق أشد أنواع الاختلاف بل هو من ثمار الخلاف إذ قد يصل الخلاف إلى حد الافتراق وقد لا يصل، فالافتراق اختلاف وزيادة لكن ليس كل اختلاف افتراق.
الاختلاف في اللغة:
   تدور مادة خلف في اللغة حول أصول ثلاثة:
أ - أن يجيء شيء بعد شيء يقوم مقامه؛ قال تعالى:“ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَة ”[الفرقان:62] فالليل يجيء بعد النهار ويقوم مقامه، والنهار يجيء بعد الليل ويقوم مقامه. وقال تعالى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ [الأنعام:165] أي: أمة تجيء بعد أمة وتقوم مقامها.
ب - التأخر لقصور المنزلة، كما في قوله تعالى: فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ [الأعراف:169].
 ج - التغير؛ ومنه قوله عليه الصلاة والسلام:(لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك) أي لتغير رائحة فم الصائم والأصل الأول هو المقصود هنا، يقال: اختلف الناس في كذا أي: مختلفون لأن كل واحدٍ منهم ينحّي قول صاحبه ويقيم نفسه مقام الذي نحاه.


2 - إن الافتراق غالبا يكون بعد العلم بالبينات كما قال تعالى إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللهِ فَإِنَّ اللهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ [آل عمران: 19] وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ [آل عمران: 105].
3 - إن الافتراق يؤدي إلى الهلاك لصاحبه ومن يتبعه كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تختلفوا فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا, وفي رواية: فأَهلَكُوا) رواه البخاري- بفتح اللام وفي رواية بضم أوله وكسر اللام - وأما الاختلاف لا يوصل صاحبه إلى التهلكة لكونه لم يقصد الفرقة وإنما حصل ذلك لسوء فهم أو تأويل، أو جهل, قال تعالى: فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ [البقرة:213]، وقال: وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ[النحل:64].
4 - إن الاختلاف قد يكون عن اجتهاد وعن حسن نية وقد يؤجر المخطئ، بينما الافتراق لا يكون عن حسن نية، وصاحبه لا يؤجر بل هو مذموم وآثم على كل حال. لقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر واحد) رواه البخاري
.5 - إن من الاختلاف ما لا يصل إلى حد الافتراق ولا التنازع في الدين، يقول الشاطبي: ووجدنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعده قد اختلفوا في أحكام الدين، ولم يتفرقوا ولا صاروا شيعاً لأنهم لم يفارقوا الدين وإنما اختلفوا فيما أذن هم من اجتهاد في الرأي والاستنباط من الكتاب والسنة فيما لم يجدوا فيه نصاً .أما الافتراق فيؤدي إلى التنازع والقتال والتكفير ومن ثم دخول النار, كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة) رواه ابن ماجه.


6 - إن كل افتراق اختلاف، وليس كل اختلاف افتراق، فكثير من المسائل التي يتنازع فيها المسلمون هي من المسائل الخلافية، ولا يجوز الحكم على المخالف فيها بالكفر ولا المفارقة ولا الخروج من السنة.
7 - الافتراق مذموم كله والاختلاف ليس كله مذموماً.
8 - الاختلاف يعذر صاحبه إذا كان مجتهداً والافتراق لا يعذر صاحبه، لأنه لا يكون إلا عن إتباع هوى أو ابتداع أو تقليدٍ مذمومٍ.
9 - الافتراق إنما يكون في الأصول الاعتقادية والقطعيات التي لا يسع الخلاف فيها والتي تثبت بنص قاطع، أو بإجماع، أما الاختلاف يكون فيما دون الأصول مما يقبل التعدد والرأي. 10 - إن الافتراق يتعلق به الوعيد وكله شذوذ، أما الاختلاف فليس كذلك.
11 - الافتراق يكون دائماً عن هوى أو بدعة أما الاختلاف فلا يلزم منه ذلك.
 12 - الاختلاف قد يكون رحمةً وأهله ناجون إن شاء الله تعالى، والفرقة عذاب وأهلها متوعدون، يقول شيخ الإسلام رحمه الله: والنزاع في الأحكام قد يكون رحمة إذا لم يفض إلى شرٍ عظيم من خفاء الحكم .
13 - إن مسائل الاختلاف قد تكون من الأمور المأذون فيها بالاجتهاد، أما مسائل الافتراق فهي في الأمور التي حذر الشارع من الاقتراب منها.
14 - إن أهل الافتراق غالباً يعتمدون على المتشابه من الأدلة كما قال تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ آل عمران:7]، [أما أهل الاختلاف فعادةً يكون بسبب عدم فهم الدليل أو غير ذلك.
 15 - إن أهل السنة لا يذمون من اختلف وقصده الاجتهاد وكان معروفاً بالذكر الجميل والثناء الحسن مع العمل الصالح ونصرة السنة والذب عنها أما المفترق الذي قضى عمره في الصد عن سبيل الله ومحاربة السنة ونشر البدعة فيذمونه ويبدعونه .


الأمر بالجماعة والنهي عن الفرقة:
أن الأمر بالجماعة يستلزم النهي عن الفرقة, والنهي عن الفرقة يستلزم الأمر بالجماعة، فكل من أمر بشيء فقد نهى عن ضده, ومن نهى عن فعل فقد أمر بفعل ضده ومع ذلك فقد أمر الله بلزوم الجماعة ونهى عن الفرقة  .قال الله تعالى: وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [آل عمران: 103] قال الطبري في تأويل قوله تعالى: وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ ،وتعلقوا بأسباب الله جميعا يريد بذلك تعالى ذكره: وتمسكوا بدين الله الذي أمركم به وعهده الذي عهده إليكم في كتابه من الألفة والاجتماع على كلمة الحق والتسليم لأمر الله. ويقول القرطبي في معنى الآية: فإن الله يأمر بالألفة وينهى عن الفرقة فإن الفرقة هلكة والجماعة .وقال ابن عباس رضي الله عنهما لسماك الحنفي: يا حنفي الجماعة الجماعة!! فإنما هلكت الأمم الخالية لتفرقها, أما سمعت الله عز وجل يقول: وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ [آل عمران103] .وهذا الأمر بالجماعة عام للأمة في كل زمان وكل مكان هذا حالهم أن يكونوا مجتمعين بحبل الله, فالله سبحانه وتعالى أمرهم بأن يعتصموا بحبل الله جميعا، وجميعا: منصوب على الحال أي: كونوا مجتمعين على الاعتصام بحبل الله .وفي هذه الآية وبعد أن أمرهم سبحانه بالجماعة والتمسك بها إذ به منعتهم وأمنهم، نهاهم عن الفرقة فقال ولا تفرقوا أي: لا تتفرقوا عن دين الله وعهده الذي عهد إليكم في كتابه من الائتلاف والاجتماع على طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم والانتهاء إلى أمره . قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: يا أيها الناس عليكم بالطاعة والجماعة فإنهما حبل الله الذي أمر به, وإن ما تكرهون في الجماعة والطاعة هو خير مما تستحبون في الفرقة.

12

والفرقة تقع في الأمة حينما تتعدد المناهج وتتعدد الطرق لذلك بين الله عز وجل لهم أن طريق الحق واحد وأن السبيل إلى الاجتماع واحد وهو السير على الصراط المستقيم أما إن أبو ذلك فإن السبل ستتخطفهم ويتشعبوا في الضلالات والبدع وواقع الأمة الآن شاهد على ذلك. يقول ابن كثير إنما وحد سبيله لأن الحق واحد ولهذا جمع السبل لتفرقها وتشعبها، وهذه السبل بين معناها عبد الله بن عباس فقال: لا تتبعوا الضلالات وفي الحديث عن عبد الله بن مسعود قال:(خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما خطاً، ثم قال: هذا سبيل الله، ثم خط خطوطا عن يمينه وخطوطا عن يساره ثم قال: هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليها"ثم قرأ هذه الآية) ويفسر عبد الله بن مسعود رضي الله عنه هذا الحديث وذلك أن رجلا قال لابن مسعود: ما الصراط المستقيم؟ قال تركنا محمد صلى الله عليه وسلم في أدناه وطرفه في الجنة وعن يمينه جواد وعن يساره جواد وثمّ رجال يدعون من مر بهم فمن أخذ في تلك الجواد انتهت به إلى النار ومن أخذ على الصراط المستقيم انتهى به إلى الجنة ثم قرأ ابن مسعود: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام:153] .وفي حديث النواس بن سمعان الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(ضرب الله مثلا صراطا مستقيما وعلى جنبتي الصراط سوران بينهما أبواب مفتحة وعلى الأبواب ستور مرخاة وعلى باب الصراط داع يقول: يا أيها الناس ادخلوا الصراط جميعا ولا تتفرقوا، وداع يدعو فوق الصراط، فإذا أراد إنسان فتح شيء من تلك الأبواب قال له: ويحك لا تفتحه فإنك إن تفتحه تلجه, فالصراط: الإسلام, والستور: حدود الله، والأبواب: محارم الله، والداعي على رأس الصراط: كتاب الله تعالى والداعي من فوق الصراط: واعظ الله في قلب كل مسلم).


وقال صلى الله عليه وسلم أيضا في الحث بلزوم الجماعة :(من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد) الترمزي والخير كل الخير فيها كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(يد الله مع الجماعة ...) الترمزي.
يد الله مع الجماعة ويد الله على الجماعة ينصرهم ويؤيدهم ويسددهم وهو معهم معية خاصة: معية النصر والتأييد متى ما كانوا مجتمعين على الحق مجتمعين على طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم. ومما يبين فضل لزوم الجماعة ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(نضر الله عبدا سمع مقالتي هذه فحملها فرب حامل الفقه فيه غير فقيه، ورب حامل الفقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغل عليهن صدر مسلم: إخلاص العمل لله عز وجل، ومناصحة أولي الأمر ولزوم جماعة المسلمين فإن دعوتهم تحيط من روائهم). الترمزي.
ومعنى لا يغل: (بضم الياء وكسر الغين) هو من الأغلال: الخيانة في كل شيء.


وأمر الله عز وجل نبيه وأمته تبع له بلزوم الجماعة ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إن الله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات ...) ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(وأنا آمركم بخمس الله أمرني بهن: السمع والطاعة والجهاد والهجرة والجماعة فإنه من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يرجع) الترمزي.
ويؤكد الحبيب المصطفى عليه السلام أن النجاة والعصمة من وقوع الفتن يكون بلزوم الجماعة، عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال:(كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت: يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم. قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم. وفيه دخن (المراد بالدخن: الدخان ويشير إلى كدر الحال وقيل الدخن كل أمر مكروه وفي معنى الدخن قيل هو الحقد وقيل الدغل ويشير إلى أن الخير الذي يجيء بعد الشر لا يكون خيرا خالصا بل فيه كدر) قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال نعم، دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها قلت: يا رسول الله صفهم لنا قال: هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا قال فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال تلزم جماعة المسلمين وإمامهم قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام قال: فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك) (البخاري) ولقد بوب النووي رحمه الله لهذا الحديث وغيره " باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن وفي كل حال، وتحريم الخروج من الطاعة ومفارقة الجماعة" ويقول ابن بطال رحمه الله عن هذا الحديث: " فيه حجة لجماعة الفقهاء في وجوب لزوم جماعة المسلمين وترك الخروج على أئمة الجور.


جاء النهي عن الفرقة والتحذير منها في أكثر من موضع: فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:(سمعت رجلا قرأ آية وسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ خلافها فجئت به النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فعرفت في وجهه الكراهية وقال: كلاكما محسن ولا تختلفوا فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا)البخاري يقول ابن حجر العسقلاني : " وفي هذا الحديث الحض على الجماعة والألفة والتحذير من الفرقة والاختلاف”.
كره رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلافهم لأن كلا القراءتين صحيحة حيث قال:(كلاكما محسن) فهو مصيب إذ قرأ ما أقرأه رسول الله، وسبب النهي أن الاختلاف يؤدي إلى الفرقة المؤدية إلى الهلكة فنهى عنه، ونهى عن كل سبب يؤدي إليه.
و كان صلى الله عليه وسلم يغضب ويشتد غضبه عند اختلاف أصحابه في أمر من أمور الدين خشية ما يؤدي إليه من فرقة وهلكة ففي الحديث عن عبد الله بن عمرو قال:(هجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فسمع أصوات رَجُلَيْنِ اخْتَلَفَا في آيَةٍ فَخَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُعْرَفُ في وَجْهِهِ الْغَضَبُ فقال: إنما أهلك من كان قبلكم من الأمم باختلافهم في الكتاب) (البخاري).

وكان الصحابة الكرام رضي الله عنهم من أشد الناس تحذيرا من الفرقة ونهياً عنها وبيانا لأضرارها يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه ناصحا ومرشدا لرعيته: إياكم والفرقة بعدي. ويقول معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما في إحدى خطبه محذرا من الفتنة التي تؤدي للفرقة يقول: إياكم والفتنة فلا تهموا بها فإنها تفسد المعيشة وتكدر النعمة وتورث الاستيصال. ولقد نصح النعمان بن بشير رضي الله عنه أهل المدينة حينما خلعوا بيعة يزيد بن معاوية في نهاية عام 62هـ وحذرهم من عواقب الفرقة ومضارها وما ينتج عنها من سفك للدماء ودمار للديار فقال لهم رضي الله عنه: إن الفتنة يا نعمان على تفريق جماعتنا وفساد ما أصلح الله من أمرنا؟ فقال له النعمان أما والله لكأني وقد تركت تلك الأمور التي تدعو إليها وقامت الرجال على الركب التي تضرب مفارق القوم وجباههم بالسيوف ودارت رحى الموت بين الفريقين وكأني بك قد ضربت جنب بغلتك إلي وخلفت هؤلاء المساكين ـ يعني الأنصارـ يقتلون في سككهم ومساجدهم وعلى أبواب دورهم فعصاه الناس فلم يسمعوا منه فانصرف وكان الأمر  كما قال سواء.


بيان حال أهل الفرقة والاختلاف:
الحق في كل زمان وكل مكان لا يختلف ولا يتغير ولا يتعدد بل هو واحد وما ذاك إلا لوحدة المصدر الذي يستقى منه, إنه من لدن حكيم خبير. لذلك نجد النصوص  تذكر الصراط  بصيغة الإفراد لأنه واحد كما قال تعالى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام:153] .
وبلزوم هذا الصراط تتحقق الجماعة ويلتئم شمل الأمة قال ابن كثير رحمه الله في هذه الآية "إنما وحد سبيله لأن الحق واحد ولهذا جمع السبل لتفرقها وتشعبها .
ولقد وصفهم الله عز وجل بقوله: الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ [البقرة: 176]. وقال سبحانه: فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [البقرة: 137]
وقال عز وجل عن أهل الكتاب من اليهود والنصارى : فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ [البقرة: 137] أي إنهم إنما هم في عصيان وفراق وحرب لله ولرسوله .
ووصف أهل البدع أصحاب القلوب المريضة بأنهم واقعون في الشقاق فقال سبحانه: لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ [الحج: 53]. فيجعل الله عز وجل ما يلقيه الشيطان فتنة وضلالة لطائفتين من الناس هما: أـ الذين في قلوبهم مرض: الشك والنفاق.
    ب ـ والقاسية قلوبهم: وهم المشركون فإن قلوبهم لا تلين للحق أبدا ولا ترجع إلى الصواب بحال.

ولقد وصفهم الله عز وجل بوقوع العداوة والبغضاء فيما بينهم لمخالفتهم بعض ما جاء من الحق قال تعالى: وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ [المائدة: 14] و جاء الوعيد الشديد للمفارق للجماعة الخارج عنها يقول سبحانه وتعالى: وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا [النساء: 115] وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ [الأنعام: 159] ولقد وردت النصوص النبوية تتوعد الخارج عن الجماعة المفارق لها بأشد وعيد  أورد الإمام مسلم عدة أحاديث في (صحيحه) حول هذا الموضوع بوب لها الإمام النووي تحت قوله: باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن وفي كل حال وتحريم الخروج من الطاعة ومفارقة الجماعة  وأورد تحتها عدة أحاديث منها: قوله صلى الله عليه وسلم: (من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية) (مسلم). وقال أيضا عليه السلام: (من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات فميتة جاهلية) (البخاري) وقال: (من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية) (مسلم). ويقول حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: " والله ما فارق رجل الجماعة شبرا إلا فارق الإسلام ".

التأكيد على أسباب الاجتماع وبيان طرق تأليف قلوب المسلمين:
الأمر بالجماعة والنهي عن الفرقة أصل من أصول الإسلام العظيمة وقاعدة من قواعد الدين يقول شيخ الإسلام أحمد بن تيمية: " أن من القواعد العظيمة التي هي من جماع الدين: تأليف القلوب واجتماع الكلمة وصلاح ذات البين .
والناظر في أركان الإسلام الخمسة يجد أن عقيدة التوحيد هي أعظم ما يجمع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها إذ كلمة لا إله إلا الله ينطقها كل مسلم عربي أو غير عربي.
وبوحدة المعتقد تتحقق وحدة الجماعة ومتى ما كان المعتقد خالصا صافيا صائبا كانت الجماعة مجتمعة ملتئمة أما إن دب الخلاف في العقيدة تلاه اختلاف في الجماعة وتفرق. ثم إن وحدة المعتقد ووحدة الجماعة مما رضيه الله لنا ففي الحديث عن رسول صلى الله عليه وسلم قال:(إن الله يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ويكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال)(مسلم). فقرن هنا بين وحدة المعتقد على توحيد الله ووحدة الجماعة على الاعتصام بحبل الله.
أما الركن الثاني وهو الصلوات الخمس المفروضة فهي أنموذج أمثل للوحدة بين المسلمين في اتحادهم في عددها وأركانها وشروطها وكيفيتها مما يجمع المسلمين ومما يجتمعون عليه. بالصلاة يعرف المسلم من الكافر إذ هي عمود الدين ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(العهد الذي بيننا بينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)(الترمزي) ثم إن في أداء الصلاة جماعة في المسجد مثال واضح لكيفية تأليف القلوب واتحاد الجماعة باتحاد الأبدان في أداء فعل واحد في مكان واحد خلف إمام واحد، لذلك جاء الأمر بتسوية صفوف الصلاة وإتمامها الأول فالأول, والإشارة إلى أن اختلاف الصف في الصلاة سبب لاختلاف القلوب وتنافر النفوس يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:(استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم)(مسلم) أي: إذا تقدم بعضكم على بعض في الصفوف تأثرت قلوبكم ونشأ بينكم الخلف ومنه الحديث الآخر:(لتسوّن صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم)(البخاري) يريد أن كلا منهم يصرف وجهه عن الآخر ويوقع بينهم التباغض فإن إقبال الوجه على الوجه من أثر المودة والألفة.


ولقد عاب الله سبحانه على الذين اتخذوا مسجدا ضراراً في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ كان مقصدهم التفريق بين جماعة المسلمين فقال الله عنهم: وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ [التوبة: 107] قال الإمام القرطبي: " أي يفرقون به جماعتهم ليتخلف أقوام عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد حث الإسلام على إقامة الأخوة بين المسلمين على أساس رابط الإيمان بالله وحث على القيام بواجب هذه الأخوة وأداء حقوقها فهي أعظم رباط وعلى أساسه يكون الولاء أو البراء، بهذا تكون الجماعة وبهذا يتحقق الاتحاد في الأمة حينما تتناصر وتتعاضد وتكون يدا واحدة عندها تستحق الأمة العلو والسيادة والريادة.

ومن حرص الإسلام على الجماعة وعلى الأخوة الإيمانية وإغلاقه لباب الفرقة وسده لسلبها أنه أمر بالانتساب إلى الأسماء المشروعة ونهى عن الانتساب إلى غيرها أو رفع شعارات تدعو إلى الحزبية أو تنادي إلى القومية خاصة إذا كانت هذه الشعارات وهذه الانتماءات ترفع للعصبية والحمية التي من شأنها أن تفرق بين الجماعة المسلمة فتحل هذه الانتماءات والولاءات مكان الأخوة الإيمانية العامة الشاملة لكل مؤمن في مشارق الأرض ومغاربها. ففي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(وأنا آمركم بخمس الله أمرني بهن: السمع والطاعة والجهاد والهجرة والجماعة فإنه من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يرجع ومن دعا بدعوى الجاهلية فهو من جثي جهنم قالوا: يا رسول الله وإن صام وصلى؟ قال: وإن صام وصلى فادعوا الله الذي سماكم: المسلمين، المؤمنين، عباد الله)(الترمزي) ولقد شدد الرسول صلى الله عليه وسلم على من انتمى لغير هذا الدين العظيم أو رفع شعارات أو انتماءات يتحزب لها ويوالي ويعادي عليها فهذا كله من دأب الجاهلية وعاداتها التي أمرنا بتركها والكف عنها ففي الحديث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال:(كنا في غزاة فكسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار فقال الأنصاري: يا للأنصار وقال المهاجري: يا للمهاجرين. فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما بال دعوى جاهلية؟ قالوا: يا رسول الله كسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار فقال: دعوها فإنها منتنة) (البخاري).

فعد رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الانتماءات وهذه الدعاوى من أمور الجاهلية ووصفها بالقبح والخبث مع أنهم انتسبوا رضي الله عنهم إلى أعمال صالحة ومفاخر عظيمة في دين الله: الهجرة والنصرة ومع ذلك لما كانت للعصبية وهمت أن تفرق بين المسلمين وتوقع القتال إذ أخذ كل سلاحه سماها عليه الصلاة والسلام " دعوى جاهلية”
   وهذه التسميات والانتماءات يختلف حكمها بحسبها وهي على ثلاثة أنحاء:
1ـ من هذه الانتسابات ما هو حسن محمود وهو الانتساب إلى اسم شرعي جاء في
الكتاب أو في السنة كتسميتنا مسلمين ومؤمنين وعباد الله والمهاجرين والأنصار وكأن ينتسب الرجل إلى عمل مشروع كنسبة الرجل إلى أهل الحديث أو إلى أهل السنة فهذه تسميات وانتماءات محمودة جاء الشرع بها ومدح أهلها.
2ـ ومن هذه الانتسابات ما هو مباح كالانتساب إلى قبيلة أو مصر أو جهة لقصد التعريف فقط ويلحق به والله أعلم الانتساب إلى جهات معينة أو جماعات أو منظمات القصد منها تنظيم العمل وحسن إدارته وتوزيع الجهود لتتكامل فيما بينها لخدمة المجتمع والدعوة إلى دين الله تعالى.
3ـ ومن هذه الانتسابات ما هو مكروه أو محرم كالانتساب إلى الطرق الصوفية أو الفرق الكلامية المذمومة. ويلحق به: إذا كان الانتساب إلى اسم شرعي محمود أو انتساب إلى اسم مباح كقبيلة أو مصر لكن قصد من الانتساب الحمية والعصبية وأفضى إلى الفرقة والخلاف فهذا مذموم منهي عنه .


الفرقة والاختلاف عذاب وعقوبة:
الفرقة فهي عذاب وعقوبة من الله عز وجل يعاقب بها الأمة حينما تعصيه ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(الجماعة رحمة والفرقة عذاب)(صحيح الجامع) وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(سألت ربي ثلاثا فأعطاني ثنتين ومنعني واحدة, سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها, وسألته أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها, وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها) (مسلم) وفي الحديث عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أنه قال:(لما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم: قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا قال: أعوذ بوجهك. أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ قال أعوذ بوجهك. فلما نزلت: أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ قال: هاتان أهون أو أيسر) (البخاري) قال علي بن خلف بن بطال رحمه الله: "أجاب الله دعاء نبيه في عدم استئصال أمته بالعذاب ولم يجبه في أن لا يلبسهم شيعا أي فرقا مختلفين وأن لا يذيق بعضهم بأس بعض أي: بالحرب والقتل بسبب ذلك وإن كان ذلك من عذاب الله لكنه أخف من الاستئصال وفيه للمؤمنين كفارة .
 ويقول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في قوله: أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً قال: الأهواء والاختلاف" وقال في قوله: وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ قال: يسلط بعضكم على بعض بالقتل والعذاب .

الإخبار أن الفرقة واقعة لا محالة ليعلم هذا ويحذر
والإخبار عن وقوع الفرقة في الأمة وأن الله عز وجل شاء ذلك وقدره علينا لا يعني الاستسلام للفرقة والتخبط في سبلها, بل إن الله عز وجل نبه على ذلك وأخبر به ليحذر المسلم منها ولا يسلك مسلكها وينجو من كتب الله له النجاة منها.
يقول الله عز وجل: وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [هود: 118ـ 119].يقول الإمام إسماعيل بن كثير رحمه الله في تفسيرها: " وقوله: وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ أي: لا يزال الخلف بين الناس في أديانهم واعتقادات مللهم ونحلهم ومذاهبهم وآرائهم .ويقول سبحانه: وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ [يونس: 99] أي: لو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم بحيث لا يخرج عنهم أحد مجتمعين على الإيمان لا يتفرقون فيه ويختلفون ولكنه لم يشأ ذلك لكونه مخالفا للمصلحة التي أرادها الله سبحانه ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا على إيمان جميع الناس أخبره الله بأن ذلك لا يكون لأن مشيئته الجارية على الحكمة البالغة والمصالح الراجحة لا تقتضي ذلك ومثله قول تعالى: وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَل لِّلّهِ الأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَن لَّوْ يَشَاء اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ إِنَّ اللهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ [الرعد: 31].فإيمان الناس جميعا وهدايتهم غير مرادة لله عز وجل كونا والفرقة واقعة بينهم لا محالة فمن شاء الله عز وجل له الهداية هداه, ومن شاء له الضلال أضله سبحانه, فهو الملك الحكيم العليم الله عز وجل شأنه ولقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوقوع الفرقة في هذه الأمة فقال:(والذي نفسي بيده لتفترقن على ثلاث وسبعين فرقة فواحدة في الجنة واثنتان وسبعين في النار" قيل: يا رسول الله من هم؟ قال: هم الجماعة)(ابن ماجة).


التفريق بين المسلمين من غايات وأهداف المنافقين والكافرين :
ما زال أعداء الدين منذ أن بزغت فجر الرسالة المحمدية يكيدون المكائد للإسلام وأهله, ويحملون الغل والحقد على هذا الدين ويحاولون جاهدين صد الناس عن الحق المبين وإضعاف المسلمين لأنهم يعلمون أن قوة المسلمين تعني إضعافهم وتنحيتهم عن القيادة والسيادة للبشرية ... فعبثا يحاول المسلمون استرضاءهم لأنهم لن يرضوا أبدا مهما قدم المسلمون من تنازلات دنيوية ولن يرضوا إلا بالتنازل عن هذا الدين العظيم يقول الله تعالى: وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ [البقرة: 120] .ويقول الله عز وجل ثناؤه: وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة: 109]. ففي هذه الآية يحذر الله عباده المؤمنين من سلوك طريق الكفار من أهل الكتاب ويعلمهم بعداوتهم لهم في الباطن والظاهر وما هم مشتملون عليه من الحسد للمؤمنين مع علمهم بفضلهم وفضل نبيهم. ومن أساليب الكفار في الصد عن هذا الدين العظيم ومحاولاتهم لإضعاف المسلمين ما يسعون لتحقيقه جاهدين ببث الفرقة والاختلاف في المجتمع المسلم وإفساد ذات البين .

أسباب التفرق:
1- الجهل:أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيقع في الأمة وأنه سيكون من أسباب تفرقها هو جهل بأمرين:     أـ الجهل بعلوم الشريعة.            ب ـ الجهل باللغة العربية.
إن من الجهل: عدم العمل بالعلم، عدم فهم الدليل ووضعه في غير موضعه، المنازعة في المسألة قبل استكمال العلم وإحكامه وجمع حواشيه وأطرافه، أن ينكر الإنسان ما يجهله وما غاب عن علمه خاصة إذا كان مع المخالف فيقع منه التكذيب ببعض الحق ومن الجهل أن يرد بعض الحق الذي يكون مع مخالفه إذا كان مختلطا بالباطل فيؤدي هذا الرد إلى الاختلاف والنزاع، الانشغال والاهتمام بالعلوم الدنيوية التي يتحصل المسلم بها على وظيفة ودخل ويكون انشغاله على حساب تعلمه أمور دينه الأساسية، تجزئة الشريعة والأخذ ببعض النصوص بدون بعض أو الزعم بالاستغناء بالقرآن الكريم عن السنة النبوية.
بتنحية اللغة العربية أو إهمالها تضرب الأمة المسلمة بضربتين هما: 1ـ جهل الناس بدينهم وبفهم كتاب الله تعالى.
    2- تمزيق الأمة المسلمة، والقضاء على عامل من عوامل وحدة الأمة وتحقيق جماعتها ألا وهو عامل اللغة.

من أسباب التفرق:
2- الابتداع وعدم الاتباع:إن من أعظم ما فرق الأمة الإسلامية وأوهن جسدها الابتداع في دين الله تعالى، إذ لو فتح الباب لكل إنسان أن يقول في الدين برأيه، وأن يحدث في الشرع ما يستحسنه بذوقه لتفرقت سبل الضلالات بالجماعة المسلمة.
3- تقديم الرأي على قول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم و طريق أهل السنة أن لا يعدلوا عن النص الصحيح، ولا يعارضوا بمعقول ولا قول فلان. فهذه طريقة أهل البدع في تلقي النصوص وهم كما وصفهم الفاروق عمر رضي الله عنه أنهم أعداء السنن فيقول: أصحاب الرأي أعداء السنن أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها وتفلتت منهم أن يعوها واستحيوا حين سُئلوا أن يقولوا لا نعلم فعارضوا السنن برأيهم فإياكم وإياهم.وفي رواية أخرى: أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها فقالوا بالرأي فضلّوا وأضلو.
4- الجدل والخصومات في الدين، والتأويل الفاسد، من العثرات التي وقع فيها أهل الفرقة والشقاق.
5- الغلو في الدين، وردود الأفعال لقد جاء الإسلام آمرا بالاعتدال والاقتصاد والوسطية في كل أمر ،حتى ميزت هذه الأمة وخصت بذلك، قال تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا [البقرة: 143].
6- التعصب المذهبي والطائفي، والتقليد للرجال، وتقديم أقوالهم على قول الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
7- التنازع على السلطة والملك وحب الرئاسة والظهور والبغي. قال رسول صلى الله عليه وسلم :(فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم) وفي رواية:(وتلهيكم كما ألهتهم).
8- الخروج عن طاعة أولي الأمر: لقد أمر الله بطاعة أولي الأمر، وعد ذلك من طاعته ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْر) [النساء: 59]، وقيل المراد بـ " أُوْلِي الأَمْرِ" هنا:إنهم الأمراء، وقيل إنهم العلماء والفقهاء .والظاهر أن الآية عامة في كل أولي الأمر من الأمراء والعلماء.
10- التشنيع على أولي الأمر والتقول عليهم، وتأليب الناس ضدهم وتتبع زلاتهم والاحتجاج بها.
11-التشبه بالكافرين، واتباع سننهم لقد حذر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من اتباع سنن الكافرين خاصة أهل الكتابين، وأخبر أن أمته ستتبع السنن الماضية الضالة، وأنها ستفترق كما افترقوا.
 12-اتباع الهوى، قال تعالى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام: 153].




الحَدِيث الْمَأْثُور فِي افْتِرَاق الْأمة:
عن عوف بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم :(افترقت اليهودُ على إحدى وسبعين فِرقةً فواحدة في الجنة وسبعون في النار، وافترقتِ النصارى على ثنتين وسبعين فرقة فإحدى وسبعون فرقةً في النار وواحدة في الجنة، والذي نفسُ محمدٍ بيده لَتَفتَرِقَنَّ أمتي على ثلاثٍ وسبعين فرقةً، واحدةٌ في الجنة واثنتان وسبعون في النار)، قيل يا رسول الله، من هم؟ قال:(الجماعة) (ابن ماجة)، وفي رواية الترمذي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: قالوا: ومن هي يا رسول الله، قال: ((ما أنا عليه وأصحابي) (الترمزي).
اختلف العلماء في المراد بها على أقوال، وهي إجمالاً: 1 - قيل: إنها السواد الأعظم من أهل الإسلام.
2 - وقيل: هم العلماء المجتهدون الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أمتي لا تجتمع على ضلالة) (ابن ماجة)، أي لن يجتمع علماء أمتي على ضلالة، وخصهم شيخ الإسلام بعلماء الحديث والسنة.
3 - إنهم خصوص من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين قال فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم في رواية:(ما أنا عليه اليوم وأصحابي)) (الطبراني).
4- إنهم جماعة غير معروف عددهم ولا تحديد بلدانهم، أخبر عنهم النبي صلى الله عليه وسلم بإخبار الله له أنهم على الحق حتى يأتي أمر الله. ولعل هذا هو الراجح من تلك الأقوال.
 5- وفيه قول خامس، أن الجماعة هم جماعة المسلمين إذا اجتمعوا على أمير .
قال ابن تيمية(وصف الفرقة الناجية بأنها أهل السنة وهم الجمهور الأكبر والسواد الأعظم، وأما الفرق الباقية فإنهم أهل الشذوذ والتفرق والبدع والأهواء، ولا تبلغ من هؤلاء قريباً من مبلغ الفرقة الناجية، فضلاً عن أن تكون بقدرها) .وينبه شيخ الإسلام على ضرورة التحري في إطلاق تسمية (الفرقة الناجية) جزافاً وبدون دليل، فيقول: (لكن الجزم بأن هذه الفرقة الموصوفة هي إحدى الثنتين والسبعين لا بد له من دليل، فإن الله حرم القول بلا علم عموماً، وحرم القول عليه بلا علم خصوصاً) تحديد الفرقة الناجية بالمفهوم الصحيح لها، وذلك بالاستشهاد بالكلام النبوي فيقول: إنه صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن الفرقة الناجية قال:(من كان مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي، وفي رواية أخرى قال: هم الجماعة)، وهذا التحديد للفرقة الناجية هو الراجح من خلال النظر إلى الأدلة الشرعية.

بداية الانقسام في الأمة الإسلامية:
     إن أول خلاف حدث بين المسلمين كان بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم حيث أنه لم يوصي بالخلافة لأحد من بعده، فقال قوم أن الأنصار أحق بالخلافة وقال آخرون بل المهاجرون الأولون ، وقال آخرون أن أحق الناس بالخلافة أبو بكر الصديق لأن النبي صلى الله عليه وسلم رضيه لأمر الدين  بإمامة المسلمين في الصلاة،وقال آخرون أحق الناس بالخلافة أهل بيته علي بن أبي طالب( فكان هذا الموقف هو البذرة الأولى للتشيع)..
     لما توفى النبي صلى الله عليه وسلم اجتمع الأنصار في في سقيفة بني ساعده ليبايعوا سعد بن عبادة فسمع ذلك أبو بكر الصديق فأتاهم ومعه عمر وأبو عبيدة فقال ما هذا قالوا: منا أمير ومنكم أمير.فقال أبو بكر منا الأمراء ومنكم الوزراء وانتهى الخلاف بمبايعة عمر لأبي بكر الصديق وبايع علي بن أبي طالب بعد ستة أشهر. وقد دامت خلافة أبي بكر عامين ثم أولى أوصى بالخلافة من بعده لعمر بن الخطاب والذي أوصى وهو في فراش الموت بتشكيل مجلس شورى مكون من ستة أشخاص من كبار الصحابة وهم (علي وعثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص) آلت الخلافة فيه إلى عثمان بن عفان.وبعد مقتل عثمان على أيدي الثوار، بايع الناس علي بن أبي طالب . ثم حدث خلاف بين علي ، ومعاوية بن أبي سفيان ومعه عائشة وطلحة، بشأن الأخذ بثأر عثمان من قاتليه وامتناع على بن أبى طالب تسليم قاتليه حقناً للدماء. كان نتيجته موقعتي الجمل ثم صفين التي انتهت بالتحكيم والذي قضى بعزل علي عن الحكم وتولية معاوية، وكان نتيجته انشقاق الصف في معسكر علي بن أبي طالب وخروج جماعة عليه سموا بالخوارج مما اضطر الإمام علي محاربتهم لتكفيرهم له ، وتمردهم عليه ، انتهى الصراع باغتيال علي بن أبي طالب على يد الخارجي عبد الرحمن بن ملجم. وبمقتل علي انتهت مرحلة الخلافة الراشدة وظهرت الدولة الأموية.والجدير بالذكر أن معظم شاركوا بالحروب ووقفوا مع علي دون مسميات بأهل السنة أو الشيعة.ثم حصلت موقعة كربلاء بعد أن طلب أهل العراق من الحسين بن علي أن يقدم لينصبوه خليفة.حصلت على إثر ذلك موقعة كربلاء ومنذ تلك الواقعة استمر أهل العراق من شيعة أهل البيت مصدر للثورات ضد الحكام على مختلف الحقب التاريخية.
    كان من نتاج تلك الفترة ظهور اكبر طائفتين وهما الشيعة و الخوارج تلتهم المرجئة ثم المعتزلة. وهكذا أصبحت الفرق والجماعات والطوائف والأحزاب تتوالى بالظهور واحدة تلو الأخرى.
الله ولى التوفيق

المصادر والمراجع:
موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام إعداد: مجموعة من الباحثين بإشراف الشيخ عَلوي بن عبد القادر السقاف.
الموسوعة الميسرة في الفرق والأديان المعاصرة.حماد الجهني.
موقف الصحابة من الفرقة والفرق، أسماء السويلم.
مقدمة في أسباب اختلاف المسلمين وتفرقهم، محمد العبدة، وطارق عبد الحكيم.
الافتراق مفهومه، أسبابه، للدكتور ناصر بن عبد الكريم العقل.