الخميس، 26 مارس 2015

التوحيد و مباحث الإيمان 2 الفصل الدراسي الثاني

التوحيد و مباحث الإيمان 2

 

بسم الله الرحمن الرحيم جامعة البحر الأحمر كلية الآداب والعلوم الإنسانية قسم الدراسات الإسلامية



التوحيد و مباحث  الإيمان المحاضرة(2)

مفهوم التوحيد وأهميته:
التوحيد لغة:
    مصدر وحّده يوحّده توحيدا، جعله واحدا أي فردا، ووحّده قال: إنه واحد أحد، أو قال لا إله إلا الله. والواحد والأحد وصف اسم الباري تعالى لاختصاصه بالأحدية.
قال الله تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 163].
وقال الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110]
التوحيد اصطلاحاً:
    هو أن يتيقن العبد ويقر أن الله وحده هو رب كل شيء ومليكه، وأنه وحده الخالق الذي يدبر الكون كله وحده، وأنه سبحانه المستحق للعبادة وحده لا شريك له، وأن كل معبود سواه فهو باطل، وأنه سبحانه متصف بصفات الكمال، منزه عن كل عيب ونقص، له الأسماء الحسنى، والصفات العلا.
والتوحيد مراد الله من عباده، وهو أحب شيء إلى الله، وهو المقصود من خلق الجن والإنسان، بل خلق الكون كله قال تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون).
والتوحيد ألطف شيء وأنزهه، وأنظفه وأصفاه، فأدنى شيء يخدشه ويدنسه ويؤثر فيه، فهو كالثوب الأبيض يدنسه أدنى أثر، وكالمرآة الصافية جداً أدنى شيء يؤثر فيها.
   ولهذا تشوشه وتؤثر فيه واللفظة والشهوة الخفية.
أهمية التوحيد:
التوحيد: مفزع أولياء الله وأعدائه.
فأما أعداؤه فينجيهم من كرب الدنيا وشدائدها كما قال الله عنهم: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت: 65]
وأما أولياؤه فينجيهم من كرب الدنيا والآخرة.
ولذلك فزع إليه نوح - صلى الله عليه وسلم - فأنجاه الله، ومن آمن به، وأغرق من كفر كما قال سبحانه: {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ* وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ} [الصافات: 75 - 76].



فزع إليه إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - فنجاه الله من النار، وجعلها برداً وسلاماً عليه كما قال سبحانه: {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ* قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء: 68 - 69].
وفزع إليه يونس - صلى الله عليه وسلم - فنادى ربه، وهو في بطن الحوت في ظلمات البحر فنجاه الله كما قال سبحانه: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء: 87 - 88].
وفزع إليه محمد - صلى الله عليه وسلم - في الهجرة إلى المدينة فحفظه الله، وفي بدر فنصره الله كما قال سبحانه: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال: 9].
وفزع إليه أتباع الرسل، فنجوا مما عُذب به المشركون في الدنيا، وما أعد الله لهم من العذاب في الآخرة.
ولما فزع إليه فرعون عند معاينة الهلاك لم ينفعه؛ لأن الإيمان عند معاينة الموت لا يقبل، وهذه سنة الله في عباده لا تتبدل كما قال سبحانه: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [النساء: 18].
التوحيد هو أساس الأعمال كلها، وهو قلبها ولبها وروحها، فكل عمل ليس معه التوحيد فهو باطل ولو كان على السنة، فقبول الأعمال له شرطان: أن تكون خالصة لله، وأن تكون على طريقة النبي - صلى الله عليه وسلم -: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110] ،(وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا).

التوحيد دعت إليه الرسل ونزلت به الكتب قال تعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} .( وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم انه لا إله إلا أنا فاعبدون).
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه تعالى قال: كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار فقال لي: " يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله؟ قلت: الله ورسوله أعلم قال ( حقل الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ، وحق العباد على الله  أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا) قلت أفلا ابشر الناس ؟ قال: لا تبشرهم فيتكلوا " (أخرجاه في الصحيحين).
 وفي رواية: " إني أخاف أن يتكلوا " أي يعتمدوا على ذلك، فيتركوا التنافس في الأعمال الصالحة اعتمادا على ما يتبادر من ظاهر الحديث. وفي رواية: فأخبر بها معاذ عند موته تأثما أي تحرجا من الإثم.
  معرفة التوحيد أول واجب، وأعظم واجب على كل إنسان كما قال سبحانه: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} [محمد: 19].





أحدها:
   بل أعظمها التفكر في سنن الله وآياته الكونية، وآياته الشرعية، ثم تدبر أسماء الله وصفاته وأفعاله الدالة على كماله وعظمته وجلاله، فذلك يوجب بذل الجهد في التأله والتعبد للرب الكامل الصفات.
الثاني:
   العلم بأن الله هو المتفرد بالخلق والتدبير، ومنه يعلم أنه المستحق للعبادة، المتفرد بالألوهية.
الثالث:
   العلم بأن الله وحده هو المتفرد بهبة النعم الظاهرة والباطنة، المادية والروحية، الدنيوية والأخروية، فذلك يوجب تعلق القلب به، محبة ورغبة، وخوفاً ورهبة.
الرابع:
    ما نراه ونسمعه من الثواب لأوليائه، القائمين بتوحيده، من النصر والنعم العاجلة، ومن عقوبته لأعدائه المشركين.
الخامس:
   معرفة الطواغيت التي فتنت الناس، وصرفتهم عن دين الله وكتبه ورسله، وأنها ناقصة باطلة من جميع الوجوه، لا تملك لنفسها ولا لعبَّادها نفعاً ولا ضراً.
السادس:
   أن خواص الخلق الذين هم أكمل الخليقة أخلاقاً وعلماً، وهم الأنبياء والرسل والملائكة والعلماء الربانيون قد شهدوا بذلك كما قال سبحانه: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: 18].
الطريق إلى العلم بأنه لا إله إلا الله أمور:

كلمة التوحيد (لا إلا إلا الله) مركبة من جملتين:
   (لا إله) نفي .. (إلا الله) إثبات.
   فالنفي أن يخرج فكره ويقينه عما سوى الله، (إلا الله): إثبات الألوهية لله وحده، فيركز فكره ويقينه بأن الله وحده هو الإله الواحد الأحد القهار، فيعبده وحده ويطيعه، فإذا اعتقد ذلك أتبعه بشهادة أن محمداً رسول الله، فيتبعه في أقواله وأفعاله، وحركاته وسكناته، لأن الله بعثه إلينا رحمة بنا وبالعالمين جميعاً، لنقتدي به كما قال سبحانه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21].
حقيقة التوحيد:
  هي التعلق بالله وحده ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة، وعدم التعلق بغيره، أو الالتفات إلى ما سواه.
فحصول الضرر والنفع .. واختلاف الليل والنهار .. وتبدل الحر بالبرد .. وحصول الجوع والشبع .. والأمن والخوف .. والصحة والمرض .. والعزة والذلة .. والفقر والغنى .. ليست بذاتها .. بل أمر الله وحده لا شريك له كما قال سبحانه: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [الزمر: 62].
معنى كلمة التوحيد وحقيقته:

الأول: الاعتقاد واليقين بوحدانية الله، ومكانه القلب.
الثاني: النطق والإقرار، ومكانه اللسان.
الثالث: العمل الذي هو تنفيذ الأوامر والنواهي، ومكانه الجوارح.
فإن أخل العبد بشيء من هذه لم يكن المرء مسلماً.
وإن أقر بالتوحيد ولم يعمل به فهو كافر معاند مستكبر كفرعون وإبليس.
وإن عمل بالتوحيد ظاهراً وهو لا يعتقده باطناً. فهو منافق أشرُّ من الكافر.
التوحيد يقوم على ثلاثة أصول:

فضائله كثيرة منها:
الأمن والهداية:
   وقول الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ}.
دخول الجنة:
  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من شهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له،وأن محمدا عبده ورسوله، (وأن عيسى عبد الله ورسوله، كلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل"
تحريم النار عليه :
   في حديث عتبان " فإن الله حرم على من قال لا إلا الله يبتغي بذلك وجه الله”
كلمة التوحيد لها وزن وثقل وقيمة :
   أخرج أحمد عن عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أن نوحا عليه السلام قال لابنه عند موته: آمرك بلا إله إلا الله؛ فإن السماوات السبع والأرضين السبع لو وضعت في كفة، ولا إله إلا الله في كفة رجحت بهن لا إله إلا الله، ولو أن السماوات السبع والأرضين السبع كن حلقة مبهمة لفصمتهن لا إله إلا الله ". وهي أفضل الذكر. ففي الحديث الصحيح: " أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وعلى كل شيء قدير“

فضائل التوحيد :

وللنسائي وابن ماجه وغيرهما: " أفضل الذكر لا إله إلا الله " وللترمذي وغيره: " دعوة أخي ذي النون: لا إله إلا أنت "، وله أيضا وحسنه وصححه الذهبي: " يصاح برجل من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فينشر له تسعة وتسعون سجلا كل سجل منها مد البصر، ثم يقال: أتنكر من هذا شيئا؟ فيقول: لا يا رب، فيقال: ألك عذر أو حسنة؟ فيهاب الرجل فيقول: لا يا رب، فيقال: بلى إن لك عندنا حسنة وإنه لا ظلم عليك، فيخرج له بطاقة فيها أشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقال: إنك لا تظلم، فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة، فطاشت السجلات وثقلت البطاقة ".
  قال شيخ ابن تيمية: ((ليس كل من تكلم بالشهادتين كان بهذه المثابة؛ لأن هذا العبد صاحب البطاقة كان في قلبه من التوحيد واليقين والإخلاص ما أوجب أن عظم قدره حتى صار راجحا على هذه السيئات)) . وقال ابن القيم: ((والأعمال لا تتفاضل بصورها وعددها، وإنما تتفاضل بتفاضل ما في القلوب، فتكون صورة العملين واحدة، وبينهما من التفاضل كما بين السماء والأرض)) .
  قال: وتأمل حديث البطاقة، ومعلوم أن كل موحد له هذه البطاقة، والكثير منهم يدخل النار بذنوبه، بل اليهود أكثر من يقولها، والذي يقولها ويخالفها أعظم كفرا ممن يجحدها أصلا؛ فإن الكافر الأصلي أهون كفرا من المرتد.
سبب لحصول المغفرة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " قال الله تعالى: يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة.
أ.هنادى عيسى عبد المحمود
10

عقيدة المؤمن  المؤلف: أبو بكر الجزائري.
موسوعة فقه القلوب المؤلف :محمد بن إبراهيم عبدالله التويجري.
شرح الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد المؤلف: محمد حسن عبد الغفار
الجموع البهية للعقيدة السلفية   جمع: أبو المنذر محمود بن محمد بن مصطفى بن عبد اللطيف المنياوي
التنبيهات اللطيفة فيما احتوت عليه الواسطية من المباحث المنيفة المؤلف: أبو عبد الله، عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله بن ناصر بن حمد آل سعدي.
المصادر والمراجع: